لماذا يرفع الشاهد يده اليمنى في المحكمة قبل الإدلاء بالشهادة ؟

نشأت المحاكم البدائية في المجتمعات القديمة لحاجتها لأحكام قضائية منظمة تحل النزاعات وفقاً للتقاليد المعترف بها ومبادىء السلوك الإجتماعي. فأقيمت على يد نخبة من علماء الآثار والانثروبولوجيا (علم الإنسان) على مساحات واسعة من آسيا، أفريقيا وأوروبا فيما لم تكن منتشرة في ذلك الحين لدى السكان الأصليين في كل من أميركا الشمالية والجنوبية. شكلت هذه المحاكم البدائية بنية اجتماعية معقدة اختلطت فيها الوظائف الإدارية والقضائية والدينية وكانت تقام في العراء أو في المعابد وفي أكثر الأحيان كان القضاة هم الكهنة.
تطورت المحاكم مع تطور الحضارات فنُصّت القوانين وسُنّت الشرائع وظهرت في العراق القديم شريعة حمورابي وهي أول شريعة مكتوبة في التاريخ وتعود الى العام 1720 قبل الميلاد، جاءت متكاملة شمولية لكل نواحي الحياة ، ركزت على السرقة والزراعة وحقوق المرأة وحقوق العبيد والموت، فأراد بها حمورابي حماية الناس من سلطة القضاء ونفوذهم واحتمال استغلالهم لتلك السلطة والنفوذ حماية للمواطنين الضعفاء وتوفيراً لأكبر قدرمن الضمانات والقضاء والعدل.
أما في الحضارة اليونانية القديمة فتميز النظام القضائي بحق المضطهدين بالطعن في قرارات موظفي الدولة والاحتكام للمحاكم الشعبية، وذلك بفضل المشرع «سولون» الذي قام بإصلاحات دستورية في أثينا التي كانت في حينها بحاجة ماسة للتغيير السياسي والاقتصادي، إذ كان القدر الأكبر من الثروة متمركزاً في يد قلة من المواطنين ذوي النفوذ وكان المزارعون قد أُجبروا على رهن أراضيهم مقابل استدانة المال مقدمين أنفسهم وأسرهم ضمانات للدين. فأصدر «سولون» قانوناً يلغي كل تلك الديون والرهانات ويحرر الذين أصبحوا أرقاء.
في الحضارة الرومانية تطورت الولايات القضائية فتم الفصل بين المحاكم الجنائية والمحاكم المدنية وأصبح لكل منها سلك قضائي متخصص. أما وبعد ان أضحت المسيحية الدين الرسمي للدولة، نشأت المحاكم الاكليركية الكنسية وتولت سلطة القضاء واستمرت الى ما بعد إندثار الإمبراطورية الرومانية.
يذخر التاريخ بقضايا كثيرة ومحاكمات عدة لشخصيات نالت الشهرة نصيبها، نذكر منها محاكمة سقراط الذي اتهم بالزندقة وتم الحكم عليه بالإعدام عن طريق تناول شراب معّد من نبات الشوكران السام. أيضا محاكمة غاليليو بعد نشر كتابه الذي تحدث فيه عن نظريته في ان الأرض كوكب صغير يدور حول الشمس، فأعتبرت الكنيسة الكاثوليكية بأن هذا يتعارض مع أفكار وتقارير الكتاب المقدس فأدانته. وفي فرنسا أسرت جان دارك البطلة المقاومة للإحتلال الإنكليزي وحكمت عليها محكمة كنسية خاضعة لسيطرة الإنكليز بالموت حرقاً بتهمة الخيانة والشعوذة، فكانت بذلك أول محكمة سياسية بتاريخ فرنسا.
أما في التاريخ المعاصر فتعد محكمة نورنبرغ من أشهر المحكمات وتناولت مجرمي حرب القيادة النازية بعد سقوط الرايخ الثالث والأطباء الذين أجروا التجارب الطبية على البشر وانتهت بإعدام 12 شخص من بين 24 متهم.
تطلب هيئة المحكمة من الشاهد أن يرفع يده اليمنى فيقسم بأن يقول الحق ولا يشهد بغيره، فالإمتناع عن حلف اليمين يعتبر بمثابة الإمتناع عن الشهادة. أما السبب في رفع اليد فهي عادة قديمة بدأت في القرون الوسطى للتحقق من أن راحة اليد خالية من أي وشم إذ كان الكف بمثابة السجل العدلي للشخص نفسه تطبع عليه إشارة تدل على نوع الجريمة في حال إرتكابها أكانت سرقة، إغتصاب، قتل أو غيرها. ولقد اختلفت النظرة للوشم باختلاف الحضارات فلقد خص الاغريق والرومان الوشم للعبيد والمجرمين، وتجنب الصينيون القدماء الوشم وخصوه للمجرمين اذ اعتبروا أن الجسد هدية من الأهل ويجب عدم الاساءة اليه، بينما اهتم اليابانيون بالوشم وخصوه لعلية القوم وكانوا يتباهون بجمال اللوحات المنقوشة على صدورهم العارية، أما الوشم في الاسلام فهو محرم وقد روي عن الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- أنه قال ( لعن الله الواشمة والمستوشمة ) كما منع الوشم في الكثير من الاوقات في المسيحية واليهودية.